العبثية في العالم الروائي

روايات

العبثية في العالم الروائي

العبثية في الأدب هو مذهب متبع انبعث منه العديد من الروايات و المسرحيات التى تسلط الضوء على ابطالها.

ولكن ما المميز في البطل حتى يتم تسليط الضوء عليه؟

المميز هو اتباع البطل لردود افعال غير منطقية تجاه مواقف حياتية متعددة, حيث لا يجد البطل في تلك المواقف هدف أصيل و دوافع للاستمرار مع العلم بأهمية ما يمر به في تلك المواقف.فبالتالى يتم استخدام الكوميديا السوداء, السخرية و التناقض كأسلوب تعبير حيث تعد الأنسب لإرسال تلك المشاعر التي -ربما- تعد غريبة عن المشاعر التي فرضها المجتمع أثناء مرورك بتلك المواقف الحياتية.

لطالما كان المجتمع و معتقداته قرينا لك اينما ذهبت. ولكنك لن تستطيع إنكار ما بداخلك.

قد يرى البعض ان العبثية تحقر كثيرا من شأن المنطق كأنها "لا شئ"... و لكن منذ متى كان العقل منطقيا في جميع الاوقات ؟

في الحقيقة , العقل البشري يلجأ دائما إلى المنطق و التفسير لاستكمال حدث ما أو صورة معينة.

كمثال : إذا كنت عقبري أكشتف الخطأء أين :

0776482620

0776482620

0776482620

في هذا المثال لجأ عقلك إلى المنطق دون دراية منك حيث استطاع من نفسه تصحيح كلمة "عقبري" و "أكشتف" و "الخطأء" ..و من ثم انتقل مباشرة إلى الأرقام و بدأ التركيز حينها حتى يحاول الوصول للنتيجة و معرفة مكان الخطأ.

أي أن العقل يصب تركيزه في كل ما هو جديد في حياتك. لذلك حينما يأتى حدث صادم, حانق أو مفاجئ قد تشعر بوقوف العقل عن التفكير و محاولة استيعاب الموقف بطريقتين :إما حدوث عصف ذهني مرهق للعثور على ما هو منطقى في الموقف .

إما ذاك الشعور بالفراغ و عدم تصديق العقل لما حدث بل و محاولة إنكاره رغم وجود كافة الدلائل التي تثبت هذا الحدث المفاجئ.

الأن هل تمكنت من إقناعك أننا نعيش العبثية وانها لا تتواجد فقط في العالم الروائي؟

و على الرغم من وجود العديد من النصوص الأدبية التى تتبع هذا المذهب تشمل روح الدعابة, إلا أنها السمة المميزة لها. فالغرض منها ليست إضحاك القارئ و إنما دراسة السلوك الإنساني تحت الظروف المتعددة للحياة.

و لا يحكم هذا المذهب على الشخصيات خاصة الابطال و إنما يتركه للقارئ لان المغزي "الأخلاقى" غير محدد و من خلال حكم القارئ نستطيع معرفة ما إن كان القارئ يتبع المنطقية أم العبثية .

و بالتالى تتسم الشخصيات الكتابية التابعة لهذا المذهب بالغموض إذا لا يتبع بالضرورة -بناءا عن الأدب التقليدي- وجود حبكة, على سبيل المثال ( تسلسل أحداث , العقدة , الحل , النهاية السعيدة او الخاتمة الكئيبة) كان هذا النوع من الأدب ميهمنا في أوائل القرن العشرين و قد تعود امجاده مرة اخري في ظل الظروف التى يمر بها العالم في القرن الواحد و العشرين.

من أكثر الرويات إضاحا لهذا النوع من التفكير هي رواية "الغريب" للكاتب الجزائري ألبير كامو و منها : " عشت بهذه الطريقة, و كان بالإمكان أن أعيش بطريقة أخري, قمت بهذا, و لم أقم بذاك, لم أفعل أشياء في حين فعلت أخري, و ماذا بعد؟ كأنى أنتظرت طيلة عمري كي أبلغ تلك الدقيقة, ذاك الفجر الذي سأنال فيه جزائي, لا شئ كان ذا أهمية و كنت أعلم جيدا لماذا".

أثناء قراءة هذا الاقتباس يبدأ عقل القارئ في تذكر ما مر به في حياته الشخصية و يستعيد العديد من المواقف التي كان مخيرا فيها بين العديد من الأمور و أتخذ قرار منهم و على هذا الاساس ترتب عليه بعض الأفعال الحياتية في حاضره . و من ثم ينتقل من الحياة الحاضرة و يتسأل عن ما قد يمكن أن يحدث فى حالة اختياره لشئ أخر . و من هنا قد يقودنا التفكير إلى فكرة العوالم الموازية .

في النهاية أوليست جميع تلك الأفكار عبثية ؟

لازال القرار يعود للقارئ نفسه و لاتزال قراءة هذا المذهب دافع لإعادة النظر في السلوك البشري و طريقة العقل المييزة و المتواجدة لدى الجميع و لكن بصور و اشكال مختلفة في اختياره لردود الأفعال تجاه المواقف بأختلافاتها و تعددها .

من نهج مدرسة الغموض و الإلغاز, يصعب على القارئ احيانا فهم ناتج النص و تأويله و لهذا يلجأ العقل لاستكمال الصورة من نفسه ليصل إلى التفسير . هذا التفسير سيختلف من شخص لأخر بناءا على حياته, مجتمعه, تربية الاسرة و غيرها من المواقف الحياتية التي مر بها.

و هذا ما يمكن استنتاجه من قراءة رواية "الغريب" , فبعد قراءتها سيتوجب عليك الحكم على البطل بكونه مريض نفسي , أم يجب التعاطف معه لما مر به من احداث , أم حكم ثالت و رابع و غيره من الاحكام المتدفقة ؟ لهذا نستطيع استخدام المذهب العبثى لتحديد عقلية شعوب كاملة و لا تقتصر على قراء و نقاد.

فنري بوضوح ان العبثية في العالم الروائي ما هو إلا تجسد لحقيقة ينكرها الكثيرون


لو عجبك المقال اعمله شير

logo
  • المدونة
  • التصنيفات
  • عن الصفحة