قواعد العشق الاربعون

روايات

قواعد العشق الاربعون

بدوا أن منظور البشر لما يدعى بال"حب" لم يتغير منذ قديم الأزل . فلقد اقتصرت تلك الكلمة -ذات المعاني المتعددة- علي الثنائيات فقط , كما أنه كان من العيب أن تظهر المشاعر على من يحملها بل كان عليه إخفاؤها و الاحتفاظ بها لنفسه او اظهارها بعيدا عن مرأي البصر. فما رأيك بالحب الإلهي !؟

إلى أن أتت الكاتبة التركية إليف شافاق المتأثرة بفكر محي الدين ابن عربي أحد أشهر المتصوفيين و عن بحثه لدين الحب أينما كان, بقوله " لا يوجد دين أرقى من دين الحب" .

فقررت أن تعرض رويتها نظرة ثاقبة على الفلسفة القديمة القائمة على وحدة جميع الأديان و الشعوب.

تعد رواية "قواعد العشق الأربعون" من أهم و اكثر الروايات انتشارا حول العالم و التي ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة .

هي رواية تسرد حكايتين متوازيتين , إحداهما تتزامن مع الزمن المعاصر و الأخرى تتزامن مع القرن الثالث عشر. في الزمن المعاصر نرى "إيلا" المرأة الأربيعينية التي لم تتحرك حياتها ساكنا جديدا منذ أن اصبحت ربة منزل يجتاح الروتين المعتاد حياتها الخالية من الحب و التي ظنت انه قد فات الاوان على ذلك و الذي رغم ذلك لا يمنع رغبتها في حدوثه بشكل عام. أصبحت "إيلا" كالبحيرة الساكنة الرتيبة منتظرة أحدهم كي يلقي بصخرة صغيرة فتتحرك.

كان كذلك الحال في القرن الثالث عشر لدي "جلال الدين الرومي" الخطيب الفقيه الذي استحوذ على إعجاب و مشاعر الناس في زمنه . ذاك الزمن الذي كثرت فيه الصراعات الدينية . و لكنه كان على عكس "إيلا" في انتظاره لمن يمكن أن يغيره أو حتي يستطيع .

تتحرك الرواية عبر ثلاث روايات مختلفة تلك الخاصة ب"إيلا" و الأخرى ل"جلال الدين الرومي" و الدرويش المتنقل المعروف بإسم " شمس التبريزي" في أزمنة مختلفة يفصل بينهما ثمانية قرون بالتقريب.

حيث استطاع "شمس التبريزي" تحويل "جلال الدين الرومي" في خلال اربعين يوما فقط إلى أكبر داعية للعشق الإلهي و الذي لا نظير له و الذي يجب أن يكون فوق كل متع الحياة و ذلك عن طريق اعطاءه قاعدة من الاربعون كل يوم للعشق الإلهي.

بل ابتكار رقصة ذات ملابس و حركات معينة فريدة من نوعها و هي ما نعرفها اليوم بإسم

"رقصة الدراويش".

من أجمل ما في تلك الرواية هي قدرتها علي إظهار التشابه بين الزمنين بوجود مخاوف و صراعات افتقر فيها البشر إلي الحب و الذي بدوره يشكل دورا كبيرا و مهما أكثر من أي وقت مضى.

"شمس التبريزي" هي الشخصيات التي تعكس العشق الإلهي للبشر و كيف يرانا الله دائما بصورة تختلف تماما عن تلك التي لدينا كبشر. فرحلة "شمس التبريزي" عبر البلاد أدركته أن " ما لم نتعلم كيف نحب خلق الله فلن نستطيع أن نحب حقا و لن نعرف الله حقا".

حيث أن أول قاعدة في قواعده هي الطريقة التي ننظر بها إلي بعضنا البعض و انعاكسها علي حقيقتنا التي دائما ما نخفيها ..

"إن الطريقة لتي نرى فيها الله ما هي إلا انعكاس للطريقة التي نرى فيها أنفسنا, فإذا لم يكن الله يجلب إلى عقولنا سوى الخوف و الملامة فهذا يعني أن قدرا كبيرا من الخوف و الملامة يتدفق في نفوسنا, اما إذا رأينا الله مفعما بالمحبة و الرحمة فإننا نكون كذلك"

اعتاد البشر على الرؤية الخاطئة -الحكم بالظاهر- بل و اعتقادهم ان تلك هى الزاوية التي يجب الرؤية من خلالها و إن كنت على خلاف لن تنعم بالقبول منهم. في حين أن الله له دائما نظرته المتحننة و الرحيمة .

فقد وجد "شمس التبريزي" في "وردة الصحراء" -المومس- إنسانة بريئة كل ما تتمناه هو الابتعاد عن الطريق التي اعتادت سلوكه و كان أول من قبلها و لم يلقي إليها بتلك النظرة الحادة التي دائما ما رأتها في عيون الجميع . تلك هي طاقة الحب التي تقبل المزدرى من الناس . كما وجد في بيت الرومي تقبل الأديان بل و إعطائها كامل الحرية في حبها.

"يمكنك ان تدرس الله من خلال كل شئ و كل شص في هذا الكون, لأن وجود الله لا ينحصر في المسجد أو في الكنيسة أو في الكنيس. إذا كنت لا تزال تريد أن تعرف أين يقع عرشه بالتحديد, يوجد مكان واحد فقط تستطيع ان تبحث فيه عنه, و هو قلب عاشق حقيقي. فلم يعش أحد بعد رؤيته و لم يمت أحد بعد رؤيته, فمن يجده يبقى معه إلى الأبد"

ظهرت الرواية و كانت تختلف تماما عن الروايات الأخرى, ناقشت قضايا و أفكار و مفاهيم يتجنبها البعض بسبب رؤيتهم الثابتة لها.

و بالتالي لاقت الرواية العديد من الانتقادات و التي بالطبع كانت غير مؤيدة لها و لأفكارها أو أشخاص الرواية أو غيرها من مواضيع و معلومات غير صحيحة. و لكن يجب أن ندرك أن الرواية تكتب من منظور كاتبها و مما فهمه و استوعبه من الافكار المقدمة بها. كما أنه لا يجب التغاضي عن أساسيات كتابة الرويات و وجوب إضافة حبكات لتجعلها أكثر تشويقا للقراءة و بالتالى قد تكون الحبكات المستخدمة غير صحيحة ولا ريب في استخدامها للوصول إلى الهدف الرئيسي أي و هو قرائتها. بالإضافة إلى أن أسلوب الكتابة المستخدم أسلوب بسيط يزد من تشويق القراءة للرواية , حيث تكونت الرواية من فصول قصيرة لها عناوين تجعل قارئها يمر بجميع الشخصيات في جميع الأزمنة بسلاسة.

و لكن لماذا لا نعتقد أن تلك الأخطاء قد وجدت عمدا , فلربما استخدمتها الكاتبة للتعلم كيفية النظر للأشياء و الأشخاص بشكل مختلف كهدف "شمس التبريزي" مثل ما فعله ل"وردةالصحراء".

فدائما ما يكون هدف بعض الرويات إسقاط النظر على ما هو أعمق من الظاهر و تكون هي أولى الدوافع لتحريك نهر الأفكار الذي يكمن بداخل كل من يريد أن يري في أعماقه و قد يدرك فهمه الخاطئ لذاته .

"ارم حجرا في بحيرة, ولن يكون تأثيرها مرئيا فقط, بل سيدوم فترة أطول بكثير. إذ سيعكر الحجر صفو المياه الراكدة, و سيشكل دائرة في البقعة التي سقط فيها, و بلمح البصر, ستتسع تلك الدائرة و تشكل دائرة إثؤ دائرة. و سرعان ما تتوسع المويجات التي أحدثها صوت سقوط الحجر حتى تظهر على سطح الماء الذي يشبه المراّة,لن تتوقف هذه الدائرة و تتلاشى, إلا عندما تبلغ الدوائر الشاطئ. عندئذ تدرك أن البحيرة لن تعود ذاتها مرة أخري


لو عجبك المقال اعمله شير

logo
  • المدونة
  • التصنيفات
  • عن الصفحة